فأجاب برواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : « والله ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك مع أنك رجل حرب ، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك فرعون هذه الأمة ، وما يمنعني منك يا زبير إلا أنك مؤمن الرضا كافر الغضب ، وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره ، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته ، وما يمنعني منك يا عثمان إلا عصيتك وحبك قومك وأهلك ، وما يمنعني منك يا عليّ إلا حرصك عليها ، وإنك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحق المبين والصراط المستقيم ».
أضف إلى هذا فقد كان الخيار المدني مع علي حباً وهوى ، فالمدينة تجلّ علياً وتبجلّه ، والأنصار أعضاد علي وأولياؤه ، فعسى أن يكون الأمر لصالحه ولو اعتباطاً ، فهو يحملهم على المحجة البيضاء كما يرى عمر ، وهو إمام أهل المدينة كما يرى الأنصار ، بقيت القيادة القرشية والتخطيط العمري المتين في استبعاده عنها ، وهما مؤشران سلبيان أزاء مؤشرين إيجابيين ، فما عليه إلا أن يرضخ للأمر القائم من جهة ، وأن يتطلب الحق الضائع من جهة أخرى ، إكمالاً للحجة فيريح ويستريح لا أكثر ولا أقل.
ومات عمر ، ودفن إلى جنب صاحبه أبي بكر ، واجتمع أهل الشورى ، واشرأبت أعناق المسلمين للنظام الجديد الذي استنه عمر ، فقد فوض أمر الأمة إلى ثلاثة من ستة ، وأعطى رئاسة ذلك إلى واحد من ثلاثة ، وهو مبتكر لهذا النظام ، وقد أحكمه إحكاماً فريداً ، وعين به عثمان تعييناً ؛ ولم يغب هذا الملحظ عن عين علي لحظة ، ولا عن العباس وولده ، ولا عن المقربين لعلي مدنيين ومهاجرين ، ولم يترك علي الفرصة إن سميت هذه الرؤية فرصة ، وقد اهتبلها كما ينبغي لمثله