أن يصنع ، فأدلى بحجته لدى اجتماع أهل الشورى ، وأوضح مؤهلاته ومميزاته ليجعلهم على بصيرة وجلية ، احتياطاً لدينه ، وإعذاراً لضميره ، ورغبة بمسايرة الحق ملتزماً له ، لا منافسة في سلطان ، ولا تعلقاً بشيء من الحطام ، فجبه أهل الشورى ببيان موقعه من النبي ، ومشاركته له في جملة الخصائص المميزة ، ومتابعة الحق الشريد ، فإما أن يعطى فيأخذه ، وما أن يمنع فيطلبه ، وإما أن يصبر على المحنة ، امتد المدى أو طال السرى ، وقال :
« الحمد لله الذي بعث محمداً منا نبياً ، وبعثه إلينا رسولاً ، فنحن بيت النبوة ، ومعدن الحكمة ، وأمان أهل الأرض ، ونجاة لمن طلب ، لنا حق إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى ... ولن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم ».
قال علي عليهالسلام قوله هذا ، وكأن على رؤوس القوم الطير ، فلم يسمعوا شيئاً مما أراد ، ولم يعوا حقيقة ما تفوه به ، بلى قد سمعوا بآذان غير صاغية ، وعرفوا الحقيقة بقلوب غير واعية ، فحذرهم معاوداً ، وكرر الحجة مردداً ، وقال : « إسمعوا كلامي ، وعوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف ، وتخان فيه العهود ، حتى تكونوا جماعة ، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة ، وشيعة لأهل الجهالة ».
وكانت صيحة في وادٍ ، وكان رد الفعل الفوري على ذلك أن وهب طلحة ـ على رواية ـ حقه لعثمان ، فقابله الزبير عصبية ووهب حقه لعلي ، ومال سعد لابن عمه عبد الرحمن فوهب حقه المزعوم له ، وبقي علي وعثمان وعبد الرحمن في الميدان ، فأبتدر عبد الرحمن قائلاً لهما : أيكما يخرج منها للآخر فلم يجيبا بزعم الراوي ، وأخرج نفسه على أن