لم يكن بالحسبان .. وهو سيرة الشيخين ، فأية سيرة يتبعها : أسيرة أبي بكر وهي مخالفة لسيرة عمر؟ أم سيرة عمر وهي مناقضة لسيرة أبي بكر؟ فكيف بسيريتهما معاً وهما متقابلان ، وكان بإمكانه أيضاً أن ينعم بالجواب ، حتى إذا بسط سلطانه ونفوذه عمل باجتهاد رأيه لا بسيرة الشيخين ، ولكنه أبى إقرار السيرتين معاً ، وأبى أن يخالف عهداً لو نطق به أيضاً ، فليس من شأنه أن يتذرع بشيء على حساب شيء آخر مهما ضؤل شأنه ، أو عظم أمره ، وإنما خَلِقَ علي عليهالسلام ممثلاً فعلياً للقيم العليا.
وكرر عبد الرحمن على أمير المؤمنين القول ، فأصر عليٌ على رفض الشرط الأخير ، وعرض عبد الرحمن ذلك على عثمان فأنعم بالموافقة ، وأضمر أن لا يلتزم بشيء قليل أو كثير من سيرة الشيخين ، ولكنها الفرصة الذهبية التي لا تترك ، فاغتنمها ، وعبد الرحمن يعلم ذلك كل العلم ولكنه صفق بيده على يد عثمان على أن يؤثر الحق ولا يتبع الهوى ، فما وفى بشيء من ذلك ، ولا التزم بعهده ، وكان ما كان من عاقبة أمره.
وتلقى عليّ عليهالسلام المحنة محتسباً ، والتفت لابن عوف قائلاً :
« ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ؛ والله ما وليته هذا الأمر إلا ليرده عليك ، لقد رجوت منه ما رجا صاحبكها من صاحبه ، دق الله بينكم عطر منشم ».
قال أبو هلال العسكري : « إن الله استجاب دعاء علي في عبد الرحمن وعثمان بن عفان ، فما ماتا إلا متهاجرين متباعدين ».
وقد تدارك عبد الرحمن هذا التصريح من علي فقال :