يحكمها الثوار ، والناس تقترب من الفتنة ، وهو يريد أن يغير هذه الظواهر ، فيقطع مادة الثورة ، ويحمل الناس على الجادة ، ويستقبل بالأمر السبيل المستقيم ، ولكن الناس لم يتركوه ، وانثالوا عليه ، وتمسكوا به :
« فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ، ينثالون عليّ من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ».
هكذا صور الحال بدقة متناهية ، فما هذا الإصرار من الناس إلا إستنفاراً لا مناص عنه ، وما هذه الغضبة الصارخة إلا نتيجة الألم الدفين ، وما هذا التصوير البليغ إلا بياناً للحال ، فهو بين أن يستجيب للثقة النابعة من الصميم ، وبين أن يتنكب مزلقة النوازل القادمة ، وبين أن يلقي حبلها على غاربها ...
خيارات أهونها الصعب ؛ وبينا هو في هذا التفكير الجدي ، وإذا بالأشتر يندفع قائلاً :
« ننشدك الله ، ألا ترى ما نرى ، ألا ترى ما حدث في الإسلام ، ألا ترى الفتنة ، ألا تخاف الله ».
وكان صوت الأشتر جريئاً يستأهل التفكير ، ومجلجلاً يقطع الصمت ، وعنيفاً يدعو إلى الحسم ، وضع الإمام أمام مسؤوليته القيادية ، ليتدارك أمر الإسلام ، ويقطع دابر الفتنة ، فانطلق الإمام يستجيب معللاً ومقرراً :
« قد أجبتكم لما أرى منكم ، ألا فاعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ».