البائد ، وأسماعاً واعية من دعاة التمرد على حكم الإمام الجديد ، وكأن عائشة كانت تتكلم بتفويض من الشعب ، أو نيابة عن الأمة ، فانتشر حديث هذه الدعوة الجامحة في الأمصار ، وامتد إلى آفاق الدنيا ، ووصلت الأنباء إلى علي في المدينة يحدو بها الركبان ، وينقلها الحجيج بعد أن أدّوا مناسكهم.
وجهد المتمردون متظاهرين بالثأر لعثمان ، وتجمع حولهم الحاقدون على الإمام ، وكان أمامهم عدة خيارات أهونها الصعب في تنفيذ المخطط ، فرأى بعضهم الغارة على المدينة ، ورأى بعضهم الذهاب إلى الكوفة ، وقد أشفقوا من هذين الرأيين ، فعليّ عليهالسلام لهم بالمرصاد في المدينة ومعه المهاجرون والأنصار ، والكوفة من الأقاليم الثائرة على عثمان ، ورجالها في قوتهم ضد عثمان ومن تكلم باسم عثمان ، فقرروا الاتجاه إلى البصرة إذ زعم لهم عبد الله بن عامر ، أن فيها رجاله وصنائعه ، وكان قد فرّ منها بعد عزله ، فاضطروا إلى الخيار الأخير إضطراراً فيه كثير من المغامرة ، وانتدبوا الناس لذلك ، فاستجاب كل حاقد وإنتهازي موتور ، وأمدهم يعلى بن أمية بالمال والسلاح ، وزودهم ابن عامر بالظهر والكراع ، وساروا في جحفل عدته ثلاثة آلاف مقاتل ، يتقدمهم الأقطاب الثلاثة : عائشة ، طلحة ، الزبير.
وتوجهت أم سلمة لعائشة تنهاها فما استمعت ، بل حاولت جر حفصة وحملها على الخروج ، فأجابت بادئ ذي بدء ، ولكن أخاها عبد الله ردّها ومنعها.
وبلغت الأنباء علياً عليهالسلام ، فاستشار الناس ، فأشار عليه قوم بالخروج في أثرهم ، وأشار آخرون بأن لا يتبعهم ولا يرصد لهم القتال ، فعمل بالرأي الأول ، ورفض الأخير ، وقال :