« سأمسك الأمر ما استمسك ، فإذا لم أجد بداً فآخر الدواء الكي ». وهكذا كان.
فقد كتب من هناك إلى أهل الكوفة : « أما بعد ، فإني قد خرجت من حيي هذا إما ظالماً وأما مظلوماً ، وإما باغياً وإما مبغياً عليه ، وإني أذّكر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إلي ، فإن كنتُ محسناً اعانتى وان كنت مسيئاً استعتبني ».
وكان حرياً بهذا الكتاب أن يستثير همم أهل الكوفة وأن يشحذ عزائمهم ، ووصل الكتاب ، وإذا بالوالي على الكوفة يثبطهم ، ويدعو إلى اعتزال الفتنة فيما يزعم ، ذلك أبو موسى الأشعري ؛ فواعجباً : ممثل الإمام يخذّل عن الإمام ، وكان واجبه الشرعي وموقعه الإداري والسياسي يدعوانه إلى نصرة الإمام بنفسه وبجنده ، أما أن يبقى والياً ولا ينفذ الأوامر ويتمرد عليها فشيء جديد لم يعرف من ذي قبل.
فأرسل عليٌّ عليهالسلام من يؤنبه ويعنفه ويلومه ويزجره ، وكان الحسن بن علي عليهماالسلام ، وعمار بن ياسر ، ومحمد بن أبي بكر أول من أرسل ، وأخيراً تم إرسال مالك الأشتر الذي توجه في الكوفة نحو قصر الإمارة وأغار عليه ، وأبو موسى يخطب في الناس مخذّلاً عن الإمام ، فاستولى على القصر ، واحتاز بيت المال ، وأعلن عزل أبي موسى بقرظة بن كعب الأنصاري ، فخرج أبو موسى مدحوراً معزولاً بعد خطوب يسيرة ، وقصد مكة فأقام بها.
ولم يكن أبو موسى مغفّلاً كما يصوره المؤرخون بل كان متغافلاً يظهر الورع والسذاجة ، ويدّبر ما يريد من أمر بتؤدة وإحكام ، ولم يكن محتاطاً لدينه ـ كما يريد أن يقال ذلك عنه ـ بل كان موغلاً في الإنحراف