الشظف والبؤس والحرمان ، وهو يريد أن يعيدهم إلى الجادّة ، ويحملهم على المحجة البيضاء ، وكان من الطبيعي لهذا الإتجاه أن يلقى المعارضين له ، وأن يصطدم بالمنحرفين عنه ، يريد المعارضون لهذا المنهج أن يتنعموا بالولاية ، ويريد المنحرفون عن هذا السبيل أن يتمتعوا بالسلطان ، ويريد هو أن لا يكون هذا ولا ذاك ، فالراعي كالرعية ، والأمير كالمأمور ، كلّهم في شرع الحق سواء. وكانت سيرته الخاصة بعدله وخشونته تملي هذه المفاهيم قبل أقواله وتوجيهاته ، فقد أخذ نفسه بالشدة ، وهو يأخذ عماله بالشدة أيضاً ، وقد يبعث بالمراقبين على شؤون هؤلاء العمال ، وقد يبّث الأرصاد لمعاينة سيرة أولئك الولاة ، إذن هو لا يكتفي بالإشراف على ذلك بنفسه فحسب ، بل يرسل ثقته ليأتيه بالنبأ اليقين ؛ وهذا وذاك كفيلان بإستقامة الأمر ، وتدارك الخطأ ، ودرأ الإنحراف ، وتلك جدّية ما بعدها جدّية ، يتلافى بها الإمام الإهمال والإنحلال ، وقد مرت عليك خيانة مصقلة بن هبيرة إذ فَعل فِعل السيد ، وفرّ فرار العبد ، وقد سبق إليك تخاذل عبيد الله بن العباس وهربه من اليمن ، وتركها لبسر بن أرطاة يعيث فساداً في الأرض. وكذلك ما كان من أمر عامله على مكة قثم بن العباس حين فرّ منها بدخول يزيد بن شجرة الرهاوي أميراً على الموسم من قبل معاوية ، وكيف يمثل كل ذلك الضعف والوهن في نفوس الولاة ، وكيف ينجرّ ذلك الضعف على الدولة التي يقودها الإمام بأمثال هؤلاء. فإذا أضفت إلى ذلك خيانة الأمة في أموالها ، والتلاعب بفيء المسلمين ، أدركت مدى معاناة الإمام ، فقد كسر الأكراد شيئاً من خراج البصرة ، وكان عليها زياد ابن أبيه نيابة عن ابن عباس ، وقد طلب إليه الإمام حمل المال بيد أحد رسله ، وأراد زياد أن لا يخبر الرسولُ الإمام بهذه المضيعة ، فأنبأ الرسول الإمام بذلك ، فكتب إلى زياد :