ثقته وأمانته وصلاحه ، يزوّر عنه معاوية كتاباً يظهر له فيه الولاء ، ويدسّه معاوية إلى الكوفة ، فيطالب الناس الإمام بعزل قيس دون رويّة ، وهو بمنزلة عند الإمام ما بعدها منزلة ، ويعزله الإمام ـ ربما لولاية أعظم ، ومنصب أجل ما يدرينا ـ يعزله بمحمد بن أبي بكر فيصلَ إلى مصر ، ويأمره الإمام بقتال من لم يكن على الطاعة ، فيناجزهم محمد الحرب ، وينهزم جنده ، ويضطرب عليه أمر مصر ، فيعزله الإمام بالأشتر ، ويرحل الأشتر ، وما كاد يصل إلى القلزم حتى ائتمر معاوية على الأشتر ، ويدس إليه السم بالعسل فيموت الرجل في دار غربة ، ويقول معاوية : إن لله جنوداً من عسل.
ويعبىء معاوية جيشه لمصر بقيادة عمرو بن العاص ، ويثبتّ الإمام ابن أبي بكر في ولايته ، ويدعو أهل الكوفة لنصرته ، فما لقيت دعوته استجابة ، ودخل ابن العاص مصر ، وخاض محمد حرباً فاشلة ، فقتل محمد وأحرقت جثته في جلد حمار. واحتاز معاوية مصر ، فتوسعت دولته ، وضعفت دولة الإمام.
وقد سأم الإمام هذا التواكل من أصحابه ، وعتب عليهم هذا التواني عن نصرته ، وقد شقت عليه هذه المفارقات ، فالغارات على أطراف العراق متوالية ، والخوارج في استنفار يتبع بعضه بعضاً ، والولاة بين محتجن للمال وبين رعديد جبان ، ومعاوية يستثمر كل هذا الاضطراب ليثبت سلطانه ، والإمام يدعو الناس إلى الجهاد فلا يستجيبون له.
وحين طفح الإناء ، وبلغ التقصير حد الإخلال ، إستنفر الإمام الناس ، وخطبهم مصمماً على خوض الحرب بالصفوة من أنصاره ، وبالبقية من المخلصين ، إن لم يستجب الأكثرون ، وقال :