وكانت مفاجأة للمسلين ليست في الحسبان ، فسيطر عليهم الرعب ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، فهم بين متلوم لا يلوي إلى شيء ، ومضطرب لا يسكن الى اطمئنان ، وأرجف بهم المنافقون ، وتناهي إليهم غدر اليهود من معاهديهم ، وكانت الهجمة تفوق ما أعدوا واستعدوا له ، فسرى بينهم الخوف القاتل والذعر المسيطر والقلق الدائم.
وقد أوجز القرآن العظيم هذا المدرك النفسي ، والواقع التحشدي الهائل ، وتنطع المنافق بعبارات دقيقة ، غاية في البلاغة والإيجاز ، وقمة في تصوير المشهد المروع :
قال تعالى : ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) (١).
هذا هو المشهد كما عبّر عنه القرآن ، ولك أن تمعن في دلالته لتقف على الحقيقة المذهلة في استقراء المناخ النفسي للمسلمين.
قال الطبري وابن هشام وسواهما : وخرج علي بن أبي طالب عليهالسلام في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، فأسقط في يد عمرو بن عبدود وزمرته ما أقدم عليه عليّ ، فطأطأت له الكبرياء المهلهلة ، وكان نزوله عليهم كالصاعقة في عنفها ، وكالهدة في وقعها ، إحتملتها نفوسهم رياء ، وضاقت بها أحلامهم ذرعا ، فإستشعرت المهانة والذلة بعد العزّة ، وحصدت الخيبة والفشل
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآيتان : ١٠ ، ١٢.