بعد الزهو والغرور ، ولم يمنع هذا عمرا من تيهه وغطرسته ، ولم يهذّب من غلوائه واعجابه ، فاندفع يطلب البراز ، ولا مجيب ، يشق صدى صوته البيداء ، والمسلمون في ذهول ، وكأن على رؤوسهم الطير ؛ ولكن القائد الواثق ، والفارس المجرب ، يستجيب لهذا النداء من الأعماق فيقول للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا له يا رسول الله ... أنا له يا نبي الله ، ولكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ضنينا بعلي ، فقد فقد عبيدة في بدر ، والحمزة بأحد فقال له : « أجلس ... إنه عمرو ».
وكررها عمرو مرتجزا :
ولقد بححت من النداء |
|
بجمعكم هل من مبارز |
فقام علي الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال له : أنا له يا رسول الله ، قال : أجلس إنه عمرو ، ولم يجب أحد سواه ، فاستغلها عمرو ساخرا وعاتبا وقال :
أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها ، أفلا يبرز إلي رجل؟
فقام علي للمرة الثالثة وقال : أنا له يا رسول الله ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنه عمرو ، فقال علي وإن كان عمرا ، أو قال النبي : إنه عمرو ، فقال عليّ : وأنا علي.
فأذن له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمبارزة ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، والبسه درعه وعمامته ، وقال : اللهم أعنه عليه.
فأهتز عليّ لهذا الإذن ، ومضى على بصيرة من أمره ، وقوة من عزمه ، يبدد خوف المسلمين ويكشف رهبتهم ، وانحدر الى عمرو كما ينحدر السيل من الجبل ، وقد حرص عليّ بهذا الموقف على الموت