ونعتبر كلّ معنىً يمكن تصوره وتحديده بدون حاجةٍ إلى وقوعه في سياق جملةٍ معنىً اسمياً ، ونطلق على الروابط التي لا يمكن تصورها إلّا في سياق جملةٍ اسم «المعاني الحرفية».
وأمّا كلمة «تهتدي» في جملتنا المتقدّمة التي تمثّل فئة الأفعال من اللغة فهي تشتمل على معنى كلمة «الاهتداء» ، فإنّ ما نتصوره حين نسمع كلمة «الاهتداء» نتصوره من كلمة «تهتدي» ، وكلمة «الاهتداء» اسم ومعناها معنى اسمي ، فنعرف من ذلك أنّ الفعل يشتمل على معنىً اسميٍّ ما دامت كلمة «تهتدي» تدلّ على نفس المعنى الذي تدلّ عليه كلمة «الاهتداء» ، ولكنّ الفعل مع هذا لا يدلّ على المعنى الاسمي فحسب ، بدليل أنّه لو كان مدلوله اسمياً فقط لأمكن استبداله بالاسم ، ولصحّ أن نقول : «الإنسانية اهتداء في الإسلام» بدلاً عن قولنا : «الإنسانية تهتدي في الإسلام» ، مع أنّا نرى أنّ الجملة تصبح مفكَّكةً وغير مرتبطةٍ إذا قمنا بعملية استبدالٍ من هذا القبيل ، فهذا يدلّ على أنّ الفعل يشتمل إضافةً إلى المعنى الاسمي على معنىً حرفيٍّ يربط بين الاهتداء والإنسانية في قولنا : «الإنسانية تهتدي في الإسلام».
ونستخلص من ذلك : أنّ الفعل مركّب من اسمٍ وحرف ؛ لأنّه يشتمل على معنىً اسميٍّ استقلالي ، ومعنىً حرفيٍّ ارتباطي ، وهو يدلّ على المعنى الاسمي بمادته ، ويدلّ على المعنى الحرفي بهيئته ، ونريد بالمادة الأصل الذي اشتقّ الفعل منه كالاهتداء بالنسبة إلى «تهتدي» ، ونريد بالهيئة الصيغة الخاصّة التي صيغت المادة بها ـ أي صيغة «يَفْعَل» في المضارع و «فَعَل» في الماضي ـ فإنّ هذه الصيغة تدلّ على معنىً حرفيٍّ يربط بين معنى المادة ومعنىً آخر في الجملة. وقد ربطت صيغة «تهتدي» في مثالنا بين الاهتداء والإنسانية ـ أي بين مادة الفعل والفاعل ـ بوصفهما معنيين اسميّين.