بحقّها ويكون تابعاً مخلصاً لها.
فعلم الفقه إذن هو العلم بالدليل على تحديد الموقف العملي من الشريعة في كلِّ واقعة ، والموقف العملي من الشريعة الذي يقيم علم الفقه الدليل على تحديده هو «السلوك الذي تفرضه على الإنسان تبعيته للشريعة لكي يكون تابعاً مخلصاً لها وقائماً بحقّها» ، وتحديد الموقف العملي بالدليل هو ما نعبِّر عنه ب «عملية استنباط الحكم الشرعي». ولأجل هذا يمكن القول بأنّ علم الفقه هو علم استنباط الأحكام الشرعية ، أو علم عملية الاستنباط بتعبيرٍ آخر.
وتحديد الموقف العملي بدليلٍ يزيل الغموض الذي يكتنف الموقف يتمّ في علم الفقه بأُسلوبين :
أحدهما : الاسلوب غير المباشر ، وهو تحديد الموقف العملي الذي تفرضه على الإنسان تبعيته للشريعة عن طريق اكتشاف نوع الحكم الشرعي الذي قرّرته الشريعة في الواقعة وإقامة الدليل عليه ، فيزول الغموض عن الحكم الشرعي ، وبالتالي يزول الغموض عن طبيعة الموقف العملي تجاه الشريعة. فنحن إذا أقمنا الدليل على أنّ الحكم الشرعي في واقعةٍ ما هو الوجوب استطعنا أن نعرف ما هو الموقف الذي تحتِّم تبعيتنا للشريعة أن نقفه تجاهها ، وهو «أن نفعل».
والاسلوب الآخر لتحديد الموقف العملي هو : الاسلوب المباشر الذي يقام فيه الدليل على تحديد الموقف العملي ؛ لا عن طريق اكتشاف الحكم الشرعي الثابت في الواقعة ـ كما في الاسلوب الأول ـ بل يقام الدليل على تحديد الموقف العملي مباشرةً ، وذلك في حالة ما إذا عجزنا عن اكتشاف نوع الحكم الشرعي الثابت في الواقعة وإقامة الدليل على ذلك ، فلم ندرِ ما هو نوع الحكم الذي جاءت به الشريعة؟ أهو وجوب أو حرمة أو إباحة؟ ففي هذه الحالة لا يمكن استعمال الاسلوب الأول ؛ لعدم توفّر الدليل على نوع الحكم الشرعي ، بل يجب أن نلجأ إلى