الحكم الشرعي من النصّ واستنباطه من مصادره بحاجةٍ إليها ، وبذلك نشأت بذور التفكير العلمي الفقهي وولد علم الفقه ، وارتفع علم الشريعة من مستوى علم الحديث إلى مستوى الاستنباط والاستدلال العلمي الدقيق.
ومن خلال نموِّ علم الفقه والتفكير الفقهي وإقبال علماء الشريعة على ممارسة عملية الاستنباط ، وفهم الحكم الشرعي من النصوص بالدرجة التي أصبح الموقف يتطلّبها من الدقّة والعمق ، أقول : من خلال ذلك أخذت الخيوط المشتركة (العناصر المشتركة) في عملية الاستنباط تبدو وتتكشّف ، وأخذ الممارسون للعمل الفقهي يلاحظون اشتراك عمليات الاستنباط في عناصر عامةٍ لا يمكن استخراج الحكم الشرعي بدونها ، وكان ذلك إيذاناً بمولد التفكير الاصولي وعلم الاصول ، واتّجاه الذهنية الفقهية اتّجاهاً اصوليّاً.
وهكذا ولد علم الاصول في أحضان علم الفقه ، فبينما كان الممارسون للعمل الفقهي قبل ذلك يستخدمون العناصر المشتركة في عملية الاستنباط دون وعيٍ كاملٍ بطبيعتها وحدودها وأهمّية دورها في العملية أصبحوا بعد تغلغل الاتّجاه الاصولي في التفكير الفقهي يَعُونَ تلك العناصر المشتركة ويدرسون حدودها.
ولا نشكّ في أنّ بذرة التفكير الاصولي وجدت لدى فقهاء أصحاب الأئمّة عليهمالسلام منذ أيام الصادقَين عليهماالسلام على مستوى تفكيرهم الفقهي ، ومن الشواهد التأريخية على ذلك ما ترويه كتب الحديث من أسئلةٍ ترتبط بجملةٍ من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وجَّهها عدد من الرواة إلى الإمام الصادق عليهالسلام وغيره من الأئمّة عليهمالسلام وتلقَّوا جوابها منهم (١). فإنّ تلك الأسئلة
__________________
(١) فمن ذلك الروايات الواردة في علاج النصوص المتعارضة ، وفي حجّية خبر الثقة ، وفي