ثمَّ دُرْ في الحائر وأنت تقول : « يا مَنْ إلَيْهِ وَفَدْتُ ، وَإلَيْهِ خَرَجْتُ ، وَبِهِ اسْتَجَرْتُ ، وَإلَيْهِ قَصَدْتُ ، وَإلَيْهِ بِابْنِ نَبيِّهِ تَقَرَّبْتُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمُنَّ عَليَّ بِالجَنَّةِ ، وَفُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّارِ ، اللّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتي وَبُعْدَ داري ، وَارْحَمْ مَسِيري إلَيْكَ وَإلى ابْنِ حَبِيبِكَ ، وَاقْلِبْني مُفْلِحاً مُنْجِحاً قَدْ قَبِلْتَ مَعْذِرَتي وَخُضوعي وَخُشُوعي عِنْدَ إمامي وَسَيِّدي وَمَولايَ ، وَارْحَمْ صَرْخَتي (١) وَبُكائي وَهَمِّي وَجَزَعي وَخُشُوعِي وَحُزْني ، وَما قَدْ باشَرَ قَلْبي مِنَ الجَزَع عَلَيْهِ ، فَبِنِعْمَتِكَ عَليَّ وَبِلُطْفِكَ لي خَرَجْتُ إلَيْهِ ، وَبِتَقْويَتِكَ إيّايَ ، وَصَرْفِكَ المَحذُورِ عَنِّي ، وَكِلاءَتِكَ (٢) بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ لي ، وَبِحفْظِكَ وَكَرامَتِكَ إيّايَ ، وَكُلَّ بَحْرٍ قَطَعْتُهُ ، وَكُلُّ وادٍ وَفَلاةٍ سَلَكْتُها ، وَكُلُّ مَنزلٍ نَزَلْتُهُ ، فَأنْتَ حَمَلْتَني في الْبَرِّ وَالبَحْرِ ، وَأنْتَ الَّذي بَلَغْتَني وَوَفَّقتَني وَكَفَيْتَني ، وَبِفَضْلِ مِنْكَ وَوِقايَةٍ بَلَغْتُ ، وَكانَتِ المِنَّةُ لَكَ عَليَّ في ذلِكَ كُلِّهِ ، وأثَري مَكْتُوبٌ عِنْدَكَ وَاسْمي وَشَخْصِي ، فَلَكَ الحَمْدُ عَلى ما أبَلَيْتَني وَاصْطَنَعْتَ عِنْدي (٣) ، اللّهُمَّ فَارْحَمْ فَرَقي مِنْكَ ، وَمَقامِي بَينَ يَدَيْكَ وَتَمَلُّقي ، وَاقْبَلْ مِنِّي تَوَسُّلي إلَيْكَ بِابْنِ حَبِيبِكَ ، وَصَفْوَتِكَ وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَتَوَجُّهِي إلَيْكَ ، وَأقِلْني عَثْرَتي ، وَاقْبلْ عَظيمَ ما سَلَف مِنّي ، وَلا يَمْنَعْكَ ما تَعْلَمُ مِنّي مِنَ الُعُيوبِ وَالذُّنُوبِ وَالإسْرافِ عَلى نَفْسي ، وَإنْ كُنْتَ لي ماقِتاً (٤) فَارْضَ عَنِّي ، وَإنْ كُنْتَ عَليَّ ساخِطاً فَتُبْ عَليَّ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ وَارْحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيراً وَاجْزِهِما عَنِّي خَيْراً ، اللّهُمَّ اجْزِهِما بِالإحْسانِ إحْساناً وَبِالسَّيِّئات غُفْراناً ، اللّهُمَّ أدْخِلْهُما الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، وَحَرِّمْ وُجُوهَهُما عَنْ عَذابكَ ، وَبَرِّدْ عَلَيْهِما مَضاجَعَهُما ، وَافْسَحْ لَهُما في قَبريْهما (٥) ، وعَرِّفْنيهما في مُسْتَقَرٍّ مِنْ رَحْمَتِكَ وَجَوارِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآلهوسلم ».
* * * * *
__________________
١ ـ الصَّرْخَة : الصّيحة الشّديدة.
٢ ـ كَلأَهُ الله كِلاءةَ وكِلاءً : حفظه وحرسه ، يقال : اذهب في كِلاءة الله.
٣ ـ الاصطناع : افتعال من الصَّنيعة ، وهي العطيّة والكَرامة والإحسان.
٤ ـ أي مبغضاً ، ومَقَتَه مَقْتاً : أبغضه أشدّ البغض عن أمر قبيح.
٥ ـ أي : وسّع قبريهما.