يُكفَّنون ولا يُوارون ، ولا يُعَرِّج عليهم أحدٌ ، ولا يقرُبُهم بَشرٌ ، كأنّهم أهل بيتٍ مِن الدَّيْلَم والخَزَر؟!! فقالت : لا يُجْزِ عَنَّك ما ترى ، فوالله إنَّ ذلك لعهد مِن رَسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جَدِّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ الله ميثاق اُناسٍ مِن هذه الاُمّة لا تعرفهم فَراعِنَة هذه الاُمّة وهم معروفون في أهل السّماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ فيُوارونَها وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة ، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام ، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً ، فقلت : وما هذا العهد وما هذا الخبر؟! فقالت : نَعَم ، حدَّثتني اُمُّ أيمن أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم زارَ منزل فاطمة عليهاالسلام في يوم من الأيّام فعملت له حَريرة ، وأتاه عليٌّ عليهالسلام بطبق فيه تمرٌ ، ثمَّ قالت اُمُّ أيمن : فأتيتهم بعُسٍّ (١) فيه لبن وزُبْد ، فأكل رَسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليُّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ عليهمالسلام من تلك الحَريرة ، وشرب رَسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وشربوا من ذلك اللّبن ، ثمَّ أكل وأكلوا من ذلك التَّمر والزُّبْد ، ثمَّ غَسَل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يده وعلي يَصبُّ عليه الماء ، فلمّا فرغ من غَسْل يده مسح وجهه ، ثمَّ نظر إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السّرور في وجهه ثمّ رمق بطرْفه (٢) نحو السّماء مليّاً ، ثمَّ [أنّه] وجّه وجهه نحو القِبلة وبسط يديه ودعا ثمّ خَرَّ ساجداً وهو يَنشِجُ (٣) فأطال النَّشوج ( كذا ) وعلا نَحِيبه وجرت دموعه ، ثمَّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعُهُ تقطر كأنّها صوب المطر ، فحَزنَت فاطمة وعليُّ والحسن والحسين عليهمالسلام وحزنتُ معهم لما رَأينا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك قال له عليُّ؛ وقالت له فاطمة : ما يُبكيك يا رَسول الله لا أبكى الله عَينيك فقد أقرح قلوبنا ما نَرى من حالك؟!
__________________
١ ـ العُسّ ـ بالضّمّ والسّين المهملة المشدّدة ـ : القدح الكبير ، وفي بعض النّسخ : « بقعب » ـ بفتح القاف المعجمة ـ يقال للقدح من خشب مقعّر.
٢ ـ أي نظر.
٣ ـ نشج الباكي نشيجاً غُصّ بالبكاء في حلقه ، من غير انتحاب.