أولى بي ، فقال هِشام : أخبرني عن اللَّيلة الّتي قُتِل فيها عليُّ بن أبي طالب بما استدلَّ به الغائب عن المصر الَّذي قُتل فيه على قتله ، وما العَّلامة فيه للنّاس فإن علمتَ ذلك وأجبتَ فأخبرني هَلْ كان تلك العَلامة لغير عليٍّ في قَتلِه ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين إنّه لمّا كان تلك اللّيلة الّتي قُتِلَ فيها أمير المؤمنين لم يرفع عن وجه الأرض حَجَرٌ إلاّ وُجِدَ تحته دَمٌ عَبيط حتّى طلع الفَجر ، وكذلك كانت الليلة الَّتي قتل فيها هارون أخو موسى ، وكذلك كانتِ اللَّيلة التي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانتِ الليلة التي رفع فيها عيسى بن مَريم إلى السّماء ، وكذلك كانتِ اللَّيلة الَّتي قتل فيها شَمعون بن حمون الصّفا ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب ، وكذلك كانتِ اللَّيلة الَّتي قتل فيه الحسين بن عليٍّ.
قال : فتربَّد (١) وجهُ هِشام حتّى انتُقع لَونُه (٢) وهَمَّ أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين الواجب على العِباد الطّاعة لإمامهم والصِّدق له بالنَّصيحة ؛ وإنَّ الَّذي دعاني إلى أن اُجيب أمير المؤمنين فيما سألني عنه مَعرفتي إيّاه بما يجبُ له عليَّ مِن الطّاعة؛ فليحسن أمير المؤمنين عليَّ الظَّنَّ ، فقال له هِشام : انصرف إلى أهلك إذا شِئت ، قال : فخرج فقال له هِشام عن خروجه : أعطِني عهدَ الله وميثاقَه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحَدٍ حتّى أموت ، فأعطاه أبي مِن ذلك ما أرضاه ـ وذكر الحديث بطوله ـ » (٣).
__________________
١ ـ تربَّدَ وجه فلانٍ أي تغيّر مِن الغضب.
٢ ـ على بناء المجهول ، أي تغيَّر مِن حزنٍ أو سرورٍ.
٣ ـ ما جاء في هذا الباب كان ممّا تواتر عند المحدِّثين والمؤخِّرين مِن العامّة والخاصَّة واعترف به المخالفون ، راجع تفاسيرهم ذيل قوله تعالى : « فما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ ـ الآية » [الدّخان : ٢٩] وأيضاً تفسير الدّرّ المنثور ج ٦ ص ٣٠ ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ج ٧ ص ١٤٨ ، والخصائص الكبرى ج ٢ ص ١٢٦ ، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج ٢ ص ٢٥٤ ، وتاريخ الخلفاء للسّيوطيّ ، ومجمع الزَّوائد للهيثميّ ، وغيرهم من العامّة ، وجلّ المحدّثين من الخاصّة. نقل ابن عساكر بإسناده عن ابن سيرين أنّه قال : « لم تبك السَّماءُ على أحدٍ