استَعدُّوا لذلك مَخافة أنْ يخرج منها عُنُق أو يَشْرَر (١) دُخانها فيحرق أهل الأرض فيَكْبَحونها (٢) ما دامَتْ باكية ، ويزجُرونها ويستوثِقون من أبوابها مَخافةً على أهل الأرض ، فلا تَسْكنْ حتّى يسكن صوتُ فاطمة عليهاالسلام.
وإنّ البِحار تَكاد أنْ تَنْفَتِق (٣) فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قَطرةٌ إلاّ بها ملكٌ مُوَكّل ، فإذا سمع الملك صوتَها أطفأ نارها بأجْنِحَته (٤) ، وحبس بعضها على بعض مخافةً على الدُّنيا وما فيها ومَن على الأرض ، فلا تزال الملائكة مُشفِقين يبكون لبكائِها ، ويدعون الله ويتضرَّعون إليه ، ويتضرَّع أهلُ العرش ومَن حَوله؛
وترتفع أصواتٌ مِن الملائكة بالتَّقديس للهِ مَخافةً على أهل الأرض ، ولو أنّ صوتاً مِن أصواتهم يصل إلى الأرض لصَعِق أهلُ الأرض وتقطّعتِ الجبال (٥) وزَلزلتِ الأرض بأهلها.
قلت : جُعِلتُ فداك إنَّ هذا الأمر عظيم! قال : غَيرُه أعظمُ منه ما لم تسمعه ، ثمّ قال لي : يا أبا بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة عليهاالسلام؟ فبكيت حين قالها فما قدرت على النّطق ، وما قدر ( كذا ) على كلامي من البكاء (٦) ، ثمَّ قام إلى المصلّى يدعو ، فخرجت مِن عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام وما جاءَني النَّوم ، وأصبحت صائماً وَجِلاً (٧) حتّى أتيته ، فلمّا رَأيته قد سكن سكنتُ ، وحمدتُ الله حيث لم تُنزل بي عُقوبة ».
__________________
١ ـ الشَّرَر ـ محرّكة ـ : ما يتطاير من النّار.
٢ ـ كبحتَ الدّابّه : إذا جذبتها إليك باللِّجام لكي تقف ولا تجري.
٣ ـ أي تنشقّ ، أو تشقّق.
٤ ـ نأرت النّائرة نأراً : هاجت ، والمراد ثوران الماء وغليانها.
٥ ـ في البحار : « تقلّعت الجبال ».
٦ ـ في البحار : « وما قدرت على كلامي من البكاء ».
٧ ـ أي خوفاً.