فالتوحيد الحق في مثلث : العقيدة والنية والعملية ، هو الصورة المثلى للتحرر المطلق ، إنه يتمثل هنا في نذر التحرر لقرة العين وفلذة الكبد : الولد ـ ولمّا يولد ـ مما يشي بعمق الإيمان وخلوص العمران لقلب امرأة عمران.
ولقد كانت تنتظر لذلك التحرر المنظور المنذور ولدا ذكرا هو المحور في نذرها ، والنذر للمعابد لم يكن معروفا إلّا للذكران ليخدموا الهيكل وينقطعوا للعبادة والتبتل ، ولكن ها هي تجدها أنثى وليس الذكر كالأنثى :
(فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣٦).
لقد تتحسر امرأة عمران على ما كان من خيبة رجائها ومعاكسة تقديرها ، وتحزنت إلى ربها إذ كانت ترجو ذكرا تهبه محررا لبيت الله وتقفه على خدمته ، ولكن الوليدة أنثى والبنات لا يصلحن لذلك التحرر الطليق ، للزوم مقامهن عند أزواجهن في زواجهن ، ولزوم الخروج عن بيت الله حالة الحيض والطلق على اية حال.
فهنا (.. قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ليست اخبارا (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) بل هو تحسّر أنها لا تصلح لذلك التحرر لأنها أنثى ، فقد تناجي ربها كمعتذرة عن تحرّرها او كئيبة لأنها أنثى ، راجية ان تقبلها ربها على أنوثتها كما تقبلّها ، مشفقة من ألّا يقبل نذرها.
__________________
ـ وفقه الله إن امرأة عمران قالت : رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ، والمحرر لا يخرج منه أبدا فلما وضعت مريم قالت رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى فلما وضعتها أدخلتها المسجد فلما بلغت مبلغ النساء أخرجت من المسجد ، أنى كانت تجد أياما تقضيها وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد.