كلا وكما ان تبوّئ مقاعد للقتال كان من شئونه القيادية ، كذلك الخروج إلى تلكم المقاعد ، وانتصاب الجموع الخاصة لها ، كل ذلك كان من رأيه الخاص بما أراه الله ، مهما شاور المسلمين في ذلك ليشير عليهم صالح الأمر إن اخطأوا ويثبتهم تشجيعا لهم إن أصابوا ، وكما استصوب رأي المشيرين عليه بالخروج دون المشيرين بالمقام داخل البلد.
وان لمكان القتال ومقاعدها مكانة هامة في النجاح ، يجب تقريرهما على القائد العام للقوات المسلحة حيث يراهما من المصلحة في صالح الحرب.
(وَاللهُ سَمِيعٌ) أقوالهم «عليم» بأحوالهم ، إذ تقوّلوا قيلات حول الحرب ومكانها ومقاعدها ، وتحولوا حالات : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ).
لقد مشى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يومئذ على رجليه يبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال بنفسه الشريفة وهم قرابة الف تقابلهم ثلاثة آلاف من قريش ، كنفس القياس بين الجيشين يوم بدر ، فلما تخلف من تخلف بغية الغنيمة ، خلّف ذلك انهزاما دمويا وكارثة قارصة بلبل حالة المؤمنين وزلزل طائفة منهم واثبت آخرين ، امتحانا من الله للمؤمنين وامتهانا للمتخلفين.
(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ..).
هنالك واقع الغل والفشل من طائفتين أولاهما عبد الله بن أبي ومعه قرابة ثلث الجيش حيث تخلف إذ خالف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رأيه في المقام بالمدينة للدفاع قائلا : يخالفني ويسمع للفتية ، فيتبعهم عبد الله بن عمر وابن حرام والد جابر بن عبد الله يوبخهم ويحضهم على الرجوع ويقول : تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا ، قالوا : لو نعلم قتالا لاتّبعناكم وهم كما قال
__________________
ـ احد في الف رجل وقد وعدهم الفتح إن يصبروا فرجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة فتبعهم ابو جابر السلمي يدعوهم فأعيوه وقالوا له : ما نعلم قتالا ولئن اطعتنا لترجعن معنا وقال : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) وهم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم الله وبقي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سبعمائة.