والمستفيضة في حصر الراسخين في العلم في المعصومين تعني أفضلهم وأعلاهم ، كالتي تحلق لهم علم التأويل حيث تعني غير ما اختص الله بعلمه منه (١).
إذا فحصر الوقف عند اسم الله تعالى باستئناف (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) إخراج لهم عن ان يعلموا شيئا من التأويل من جليل أو قليل ، اطلاعا لطلعه واستنباطا لغامضه ووامضه واستخراجا لكوامنه ، حطا لهم بذلك عن رتبة استحقوا الإيفاء عليها واطلاع شرفها ، فان الله تعالى قد أعطاهم من نهج السبيل وضياء الدليل ما يفتحون به المبهم ويصدعون به الظلم ، امتيازا لهم كقادة عن سائر الأمة مقودين ، وعلمهم بقسم من ذلك التأويل مستمد من علم الله ، فلا معنى للوقوف بهم دون منزلتهم ، والإحجام عن إيصالهم الى أقصى هذه المنزلة السامية.
ثم الوقف عند (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) توفية للاستثناء حقه بإدخال المعصومين فيه ، مزية لهم عمن سواهم بعلم من التأويل ، معرفة بمداخله ومخارجه ، وسلوكا لمحاجه ومناهجه المباهج.
والمنزلة العوان ـ الوسطى ـ بين المنزلتين هي اللائقة بهم ، اللابقة لهم ، تنزيلا لهم عن ساحة العلم بالتأويل ككلّ مساماة لله وعوذا بالله ، وترفيعا لهم عن قاعة الجهل به ككل مساماة لسائر الأمة وعوذا بالله.
فحصالة القول هنا وأصالته انه (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) لا سواه ، حيث يراد تأويله كله بأسره دون إبقاء ، فإن معرفة كنه الذات والصفات
__________________
(١) في نهج البلاغة عن الامام علي (عليه السلام): اين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم.