اختلف تكليف ذوي العقول عن ذوي الشعور ، كما وان تكاليف ذوي العقول درجات حسب درجات العقول مهما كانت الطقوس التكليفية على نسق واحد ، فقد لا تعني «أمثالكم» المماثلة المعلومة الضرورية ، بل والمماثلة غير الظاهرة ، ينبهنا الله تعالى بها بصورة اجمالية يكتفى بها في الخروج عن المعروف الظاهر إلى غير المعروف لنعرف ان المسؤولية عامة فالحشر ـ إذا ـ عام.
ومن المشابهة الظاهرة أنه ما من انسان إلّا وفيه شبه من الحيوان ، فمنهم من يقدم إقدام الأسد ، ومنهم من يعدو عدو الذئب ، ومنهم من ينبح نباح الكلب ، ومنهم من يتطوس طوس الطاووس ، ومنهم من يشبه الخنزير ، فإنه إن القي اليه طيب الطعام تركه إلى خبيثه وإذا قام الرجل عن رجيعه ولغ فيه ، فكذلك نجد من الآدميين ألوانا وألوانا.
فليست العقلية الإنسانية ـ فقط ـ هي محور المسؤولية أمام الله ، مهما كانت هي أهم المحاور ، بل والعقلية الحيوانية ـ مهما سميناها بالشعور ـ هي أيضا من محاور المسؤولية مهما كانت درجات حسب الدرجات.
وأما (ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٧ : ١٥) و (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) (٦ : ١٣١) فلا تعني طليق العذاب ، بل هو عذاب الإهلاك الاستئصال ، فلا تنفي العذاب في تخلفات فطرية أو عقلية ، حتى تنفي تخلفات شعورية للدواب المحشورة للحساب والجزاء.
(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وترى ما هو الكتاب هنا؟ إنه يعم كلّ كتاب رباني من تكوين وتشريع ، فكتاب التكوين يحمل كمال الكائن أيا كان ، فكائن الحيوان لا بد له من معرفة مسئولية كما الإنسان ، ثم لا بد له من حشر كما للإنسان مهما اختلفت مسئولية عن مسئولية وحشر عن حشر.