فكتاب العدل والرحمة الربانية يقتضي أممية الحيوان كما نحن أمم ، ويقتضي مسئوليتها بما هي مختارة كما نحن مسئولون ، وأخيرا ـ وليس آخرا ـ يقتضي حشرها كما نحشر.
و«الكتاب» ـ بطليق تعبيره في جنسه الشامل لكافة الكتابات الربانية ـ يشمل كأكمل شمول القرآن العظيم ، فإنه بيان للكتابين كما يمكن دون إفراط فيه ولا تفريط ، وكما أن رسول القرآن شهيد الشهداء كذلك قرآنه المبين وتبيانه المتين المكين : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١٦ : ٨٩).
ثم كما أن قضية عدم التفريط في كتاب التكوين كون الحيوان أمما أمثالنا ، كذلك حشرها كحشرنا هو قضية كتاب العدل والرحمة فقد (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وهي تعم كلّ من يستحقها.
ذلك ، فكتاب التشريع غير مفرّط فيه واردا ومورودا وحدودا وجزاء وفاقا ، محلقا على كتاب التكوين والتشريع تبيانا لكلّ شيء من تكوين وتشريع ، فلأنه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) فكافة الحيوانات أمم أمثالكم ، (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) كما أنتم تحشرون ، فقد «يقتص للجماء من القرناء» (١).
هنا وهناك آيات هي أضراب في الحيطة القرآنية على كلّ شيء ، هي مع (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وآية النحل (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وأخرى من الأنعام (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
و«كلّ شيء» المستفادة من الآيات الثلاث هي كلّ شيء تحتاج إليه
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٢ : ٢١٤ كما روى عن النبي (ص) انه قال : ...