وعدم إرادة الإيمان لهم ، وجعلهم مخيرين بين إيمان وكفر (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا ..).
فذلك لا يعني جعل العداوة ، بل هو جعل العدو ابتلاء في دار الابتلاء ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (٨ : ٤٢).
وأعدى العداء من هؤلاء الأعداء هو الإلقاء الافتراء في أمنيات الرسالات والنبوات كما في آية الحج ، فلا يؤثر في خواطر الرسل أي تأثير ، فإنما يبتلى بها سائر المكلفين (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) مشيئة مسيّرة مصيّرة لهم بعيدين عن كلّ عداءاتهم وإلقاءاتهم ، فلا تخفهم على نفسك رسوليا ولا رساليا (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) حيث لا يصغى إليه المؤمنون.
ولا تعني (لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) «أن المعاصي بأمر الله ، ولكن بقضاء الله وبقدره وبمشيته وعلمه ثم يعاقب عليها» (١) وذلك المربع لا يعني مشيئة تشريعية ، أم تكوينية مسيّرة ، فإنما هي مسايرة مع العصاة فيما يعصون ، قضاء بما قضوا وقدرا بما قدروا ومشيئة بما شاءوا وعلما بما علموا وما كانوا يعملون.
ذلك ، فكما أنهم لا يؤمنون مع تواتر الآيات البينات إذ قلّب الله أفئدتهم ، كذلك (لَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) مشيئة ربانية تحلق على كلّ شيء ، حكيمة عادلة رحيمة فاضلة.
فحين لا يستطيعون أن يؤمنوا أو يضلوا إلّا بإذن ربّك (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) فإن ربك لبالمرصاد ، فإن (اللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٥٩ عن مجمع البيان روي عن أبي جعفر عليهما السلام انه قال : ان الشياطين يلقى بعضهم بعضا فيلقي اليه ما يغري به الخلق حتى يتعلم بعضهم من بعض.