فلقد اقتضت الحكمة الابتلائية التربوية الربانية في دار البلاء والابتلاء أن يترك شياطين الإنس والجن أن يشيطنوا في القدر الذي تركه لهم من القدرة والإختيار ، وأن يدعهم يؤذون النبيين والصالحين ، ابتلاء لأوليائه وبلاء لأعدائه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
وليرى أهل الحق أيثبتون عليه وهم يرون الباطل ينتفش ويتنفج مستطيلا ، أفيخلصون من حظ أنفسهم في أنفسهم ويبيعونها بيعة واحدة وصفقة فاردة لله؟ على الضرّاء والسرّاء سواء ، وفي المنشط والمكره سواء؟.
ذلك ، وليس لهم مع كلّ ذلك سيطرة القضاء على قضاء الله وهيمنة القدر على قدر الله ف (لَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ).
وليس هذا تجميدا للطاقات الإيمانية أمام الشياطين يفعلون ما يشاءون ، فإنما هو طمأنة لأهل الإيمان أنهم لا يغلبون بإيمانهم حين يحققون شرائطه ، ومنها الدعوة الصارمة المتواصلة ، والتصبر على الأذى ، وتحمّل اللّظى في هذه السبيل ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
و«ربك» في (لَوْ شاءَ رَبُّكَ) تلميحة بتلك التربية الكاملة الكافلة لهذه الرسالة السامية ، فلا تذروها الرياح ولا تصيبها الرماح حيث لا يضعها هدرا هذرا.
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ)(١١٣) :
«ولتصغى ..» غاية طبيعية أتوماتيكية للذين لا يؤمنون بالآخرة ، ثالوث ملعون سالوس يشكّل كيانهم أمام إمامهم : (شَياطِينَ الْإِنْسِ