ويا ليت أهل الحق اتخذوا ذلك المسلك الصامد لبثّ الهدى أن يوحي بعضهم إلى بعض مسالك الهدى ليزيدوهم هدى على هدى ، وليصلحوا لذلك الإيحاء إلى الآخرين ، تعاونا على البر والتقوى كما يتعاون الشياطين على الإثم والعدوان ليتحقق الكفاح الصارم في الحق أمام الكفاح العارم في الباطل ، دفاعا صالحا عن حوزة الحق : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢ : ٢٥١).
فالموازنة بين دعاية الحق والباطل تؤمّن أهل الحق عوانا ، وتغلّب الدعايات الباطلة تشكلّ عليهم خطرا جاسما حاسما ، ثم تغلّب الدعايات الحقة تحسم مادة الباطل ، وهكذا يجب أن يكون أهل الحق صامدين غير خامدين أو هامدين ، (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) (٨ : ٣٩).
فكما أن أمر شياطين الإنس والجن شورى بينهم في تلك المواحاة المضلة المدللة في زخرف القول الغرور ، كذلك فليكن أمر المؤمنين شورى بينهم في المواحاة المهتدية الهادية بحق القول ، بل وأوسع نطاقا ورفاقا من أولئك الشياطين تحقيقا لدولة الحق وتمحيقا لدولة الباطل.
ذلك والشيطان هو المتمرد عن الحق المتمحض في الباطل أيا كان ، وقد يوصف به الحيوان المتمرد والجرثومة الخطرة وكلّ متمرد عن وجه الصواب.
ونكران وجود شياطين الجن كأصل الجن سنادا إلى عدم رؤيتهم ولمسهم كسائر المرئي ، نكران جاهل ورمي في الظلام ، فإن حوزة الإحساس الخاص لنا ، هي ما يمكن أن يحس بحواسنا ، دون المواد الرقيقة كالروح والجن والملائكة ، وما أشبه.
فأولئك الناكرون المتترسون بالعلوم التجربية على م يرتكنون ، أعلى علمهم المحدد بالمحسوس من الكون؟ فذلك جهل! فإنه لا يحيط بعالم