تكشف بأن المدعو عند العذاب أو الساعة هو الكشف عن العذاب أو عذاب الساعة دون الساعة نفسها ، وإن دعوا تأجيلها فلا يشاء كشفه إذ لا تؤجل كما لا تعجّل ، ثم لله المشية الطليقة في كشف الضر ، مهما لا يكشفه إلّا عن مستحقيه كما وعدهم بصورة حتمية أو إمكانية.
وتلك المشيئة الطليقة في حد ذاتها لا تنافي حتم القضاء لأهل الجنة وعلى أهل النار يوم القضاء : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (٤٠ : ٥٠) :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) :
أجل ، وكما أن الأخذ بالبأساء والضراء هو من عذاب العاجلة ، كذلك هو ذريعة للتضرع إلى الله وذكراه ... (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) بما (رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٣ : ١٤) كما (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) حتى حسبوه خيرا لهم فإنهم قرناءهم بما قرنوهم إلى أنفسهم فقيّضهم الله لهم : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٤٣ : ٣٦) ـ (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) (٤١ : ٢٥) : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤).
هنا قسوة القلوب ظرف ظريف لتزيين الشيطان لهم أعمالهم ، وهي نفسها قضية العشو عن ذكر الرحمن والإعراض عنه قالا وحالا وأعمالا (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) (٣٩ : ٢٢) حيث تقسى عنه إهمالا فعنادا ثم يقسيها الله جزاء وفاقا : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (٥ : ١٣) قسوة عن قسوة (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) :