(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥) :
الدابر أصله من دابرة الفرس وجمعها دوابر وهي ما يلي حافره من خلفه ، ودابرة الطائر هي الشاخصة التي خلف رجله وتدعى الصيصيّة أيضا.
فالمعني من «دابر القوم» هنا ـ والله أعلم ـ أنه قطعت عنهم الأمداد اللاحقة بهم من خلفهم ، والتالون لهم في عينهم وضلالهم ، ومنه قطع نسلهم ، الّذين هم استمرار لظلمهم.
فهناك تذكار بالبأساء والضراء لعلهم يضرّعون (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فنسوا ذكر الله بعد ما تذكروا بالبأساء والضراء ، وهنا عذاب بفتح أبواب كلّ شيء ليفتح عليهم العذاب ، إذا فالنقمة والنعمة لهم ابتلاء بفارق أن النقمة كانت تذكرهم ولكنهم تناسوا ، ولكن النقمة تنسيهم فتبقيهم على نسيانهم العصيان.
ذلك هو الناسي الفارغ قلبه عن ذكر الله ، الغافل في السراء والضراء ، ولكن المؤمن سراءه كضرائه له نبهة ، ف «عجبا للمؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (١).
فنسيان الله بنسيان ما ذكر به الله يخلّف عذاب الاستدراج بإقبال الدنيا على الناسي: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٧ : ١٨٣) فالاستدراج والإملاء هما من أسباب ازدياد الإثم : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي
__________________
(١). رواه مسلم بسنده عن رسول الله (ص).