وقد يعني تلحيق (الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) ب (إِنْ يَشَأْ ...) تكملة المعني منهما ، أنه غني عنا رغم أننا في احسن تقويم ، ولا تخص رحمته العالية بنا رغم أنه لم يخلق أفضل من تقويمنا أي تقويم ف (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ).
والاستخلاف هنا كما الاستخلاف في (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) لا يجعل خلق خليفة لنفسه وسبحانه ، بل خليفة عمن أذهبه هناك وعمن يذهبه إن شاء هنا.
ف (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) على وحدة الجنس ، فقد (يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) إنشاء كإنشاء حيث يشتركان في أصل الإنشاء مهما اختلفا في مادته الفعلية ، فهنا المادة (ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) وهناك التراب الذي هو أصل كلّ ذرية بأصولها.
ذلك ، فلا ينس الإنسان النسيان أنه باق برحمة الله ومشيئته ، فما لأحد في نشأته وبقاءه من يد ، ولا لله منه من يد ونعمة ، فإذهابهم واستخلاف ما يشاء من بعدهم هو عليه هين كما هان عليه إنشاءكم من ذرية قوم آخرين.
فلا يخيّل إلى شياطين الجن والإنس أنهم لهم طاقة ذاتية يتغلبون فيها على الله فيضرونه ، أو ان المطيعين له ينصرونه وينفعونه ، فإنما هي أيام قلائل فيها يبتلون ، ثم :
(إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (١٣٤) :
(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) ـ أنتم المكلفين صالحين وطالحين ـ من موت وحياة البرزخ والقيامة بعده حسابا فثوابا وعقابا «لآت» لا محالة ولات حين مناص إذ فات يوم خلاص ، ولا تعلم نفس متى هو آت «والذي نفسي بيده ما طنت عيناي وظننت أن شفري يلتقيان حتى اقبض ، ولا رفعت طرفي