الحظر المهدد بكونه نفاقا عارما ، وأما حظر مجالسة الظالمين نهيا عن المنكر فهو عنوان آخر له حكمه دون تناحر بينهما.
ذلك ، وهل على الذين يتقون الخوض والقعود مع الخائضين من حسابهم من شيء وكما قد يخيل إليهم ، كلّا ، فإنما عليهم الذكرى لعلهم يتقون :
(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٦٩) :
ليس من حساب هؤلاء الخائضين شيء على الذين يتقون كلّ المحاظير ، (وَلكِنْ ذِكْرى) أن يذكّروهم عظة وحكمة نهيا عن المنكر (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فإذا تأكدوا من إصرارهم فلا ذكرى أيضا فلا قعود معهم لذكراهم فإنهم لا يتقون.
فمن لا يجد من نفسه احتمال التأثير ، أم ويجد محتمل التأثر لنفسه من مجلس الظلم ، فقعوده محظور ، ومن يجد من نفسه محتمل التأثير ، وان بمزيد البلاغ وبيان الحجة لهم فقعوده معهم محبور ، فالقعود مع الظالمين تأثرا أو تأثيرا بين محظور ومحبور ، فحتى إذا لم يتأثروا ولم يؤثروا فهو أيضا محظور لأنه مسايرة معهم فيما هم يعملون.
ذلك وكضابطة ـ إلّا ما يستثنى ـ القعود مع الظالمين وان في غير ظلمهم محظور ، فإنه مجاراة معهم ، ثم التأثر بظلمهم هو طبيعة الحال من عشرتهم ، ولا أقل من أن يصبح الظلم هينا في نظره ومنظره ، وان يكسب الظالم شرفا ومددا من عشرته ، وأن يتهم عند المتقين منها ، وأنها ترك لمرحلة أخيرة من النهي عن المنكر.
وكلّ من هذه الزوايا الخمس من مخمس عشرتهم ، تكفي بنفسها لحظرها ، اللهم إلّا أن تجبر بالنهي عن المنكر وإلقاء الحجة وإنارة