إِنَّهُ طَغى) وهنا يشفّع به اخوه تحقيقا لسؤاله ، وترى هارون الغائب الآن عن هذا المحضر كيف يؤمر بما يؤمر به موسى؟ انه يؤمر ضمن ما يؤمر موسى ، وبلاغه اليه على عاتق موسى ، وكما اوحي الى هارون نفسه في نفس الوقت مهما كان بعيدا عن ذلك المحضر ، حيث الكون كله محضر لله ، يخاطب من يريد خطابه مهما اختلف الزمان والمكان.
ام انه خوطب بعد ما اجتمع الى هارون ، ودليلا عليه (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) ٤٥ والسياق القرآني يطوي الزمان والمكان ويترك فجوات بين مشاهد القصص ، هي معلومة من نفس السياق ، ليصل مباشرة إلى المواقف الحية الموحية ذات الأثر الأعمق في سير القصص وفي وجدان الناس.
وفي جمعية الآيات «بآياتي» ولم يؤت من ذي قبل إلا آيتي العصا واليد البيضاء ، تبشير لهما الى آيات اخرى.
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ٤٣.
وهنا تخص دعوة الداعية بعد عمومه فرعون الطاغية لأنه رأس الزاوية في عرقلات الدعوة ، وكل دعوة إلهية تبدء بالسلب وتنتهي الى الإيجاب ، فما دامت الفرعنات قائمة ، لا تجد الدعوة الالهية مجالا لتحققها ، إذا ف «اذهبا» في بداية الدعوة «الى فرعون» ولماذا؟ ل (إِنَّهُ طَغى) استعبادا لبني إسرائيل ، واستبدادا بالحكم عليهم ، فلتبدأ بحسمه وقصمه لكي تجد الدعوة سبيلا الى تطبيقها.
ترى وكيف يصلح ذهاب الداعية الى الطاغية ، إصلاحا له ، ام سدا عن بأسه وصدا عن سلطانه؟
(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ٤٤.