ونص القول اللين نجده في النازعات (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً. اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى. فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى)(١٩) وكما نجده هنا «فقولا ...».
ونرى الداعية موسى طول حواره مع فرعون الطاغية لا يقول له إلا قولا لينا لعلّه يتذكر أو يخشى» ولكنه زاد طغوى على طغوى ، وهذه طبيعة حال الدعوة الصالحة ان تكون لينة بالتي هي احسن ، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن ، استنباطا لدفين الحق المستور تحت ستار الهوى ، وفي آخر المطاف (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(١).
ثم القصد من هذا الذهاب الى فرعون بقول لين (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) فتحصل له تقوى بعد طغوى ، ام إذا لم يتذكر هكذا «او يخشى» لأقل تقدير ، فتلك عبادة التجار وهذه عباد العبيد وقبلهما للأحرار ان يعبدوا الله لأنه الله.
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣٠١ ـ اخرج احمد في الزهد عن ابن عباس قال لما بعث الله موسى الى فرعون قال لا يغرنكما لباسه الذي ألبسته فان ناصيته بيدي فلا ينطق ولا يطرف الا باذني ولا يغرنكما ما متع به من زهرة الدنيا وزينة المترفين فلو شئت ان ازينكما من زينة الدنيا بشيء يعرف فرعون ان قدرته تعجز عن ذلك لفعلت وليس ذلك لهوانكما علي ولكني البستكما نصيبكما من الكرامة عن ان لا تنقصكما الدنيا شيئا واني لأذود اوليائي عن الدنيا كما يذود الراعي ابله عن مبارك الغيرة واني لأجنبهم كما يجنب الراعي ابله عن مراتع الهلكة أريد ان أنور بذلك صدورهم واطهر بذلك قلوبهم في سيماهم الذين يعرفون بهم وأمرهم الذي يفتخرون به واعلم انه من أخاف لي وليا فقد بارزني وانا الثائر لاوليائي يوم القيامة.
أقول : مثل ابن عباس لا ينقل حديثا قدسيا عن الله دون ان يسمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذا فهو عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم).