(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) ٥٣.
«كم» فيها لا تختص بحاضر الإنسان زمن الخطاب كقضية واقعية ، بل الخطاب فيها وأمثالها قضية حقيقية تشمل مثلث الزمان حاضرا ومستقبلا وغابرا ، منذ سكن إنسان الأرض والى يوم الدين.
فلقد كانت الأرض قبلكم ولم تكن مهدا ، ثم الله جعلها لكم مهدا : متحركة بحراك دائب ، فكما مهد الطفل يحركه لإراحته ، وهو مربوط بربطتين تربطانه والطفل عن السقوط والتبعثر ، كذلك مهد الأرض فانها مربوطة برطاتات منها القوة الجاذبية العامة ، تربطها وأطفالها عن السقوط في هوّات الأجواء البعيدة ، وهي متحركة بحركات عدة متداخلة لطيفة حنونة ، لحد لا ندرك منها الا كلّ رياحة.
ومن ثم هي مهد المهاد (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٧٨ : ٦) حيث مهدت لحياة الإنسان بسائر الأحياء المستخدمة لصالح الإنسان ، فمهدت للإنسان كل حاجيات حياته ، مهدا حانيا على طفولة الإنسان يضمه ويرعاه ، وتمهده ـ ان سلك فيها سبيل ربه ـ للحياة الاخرى ، وهي أحرى من الاولى وارقى.
ف (سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) لا تختص بالسبل الحيوانية لحياته ، بل وانسانية الحياة هي الأهم الأحرى ، (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦ : ١٥٣).
وكذلك الأمر في (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) : نابتات نباتية وحيوانية وإنسانية اما هيه : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (٧١ : ١٧).
. و «أزواجا» هنا تعم الذكورة والأنوثة كظاهرة مطردة في كافة الأحياء الثلاثة الأرضية ، والنبات يحمل في الغالب خلايا التذكير