لقد اعجل موسى عن قومه الى ميعاد ربه لمرضاته تعالى ، فانه مفتاق الى مناجاة ربه مشتاق ، و «المشتاق لا يشتهي طعاما ولا يلتذ شرابا ولا يستطيب رقادا ولا يأنس حميما ولا يأوي دارا ولا يسكن عمرانا ولا يلبس لباسا ولا يقر قرارا ويعبد الله ليلا ونهارا راجيا بان يصل الى ما يشتاق اليه ويناجيه بلسان شوقه معبرا عما في سريرته كما اخبر الله موسى بن عمران (عليه السلام) في ميعاد ربه بقوله (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) وفسّر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن حاله انه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا الى ربه» (١).
فبالفعل ترك موسى قومه الى جانب الطور الأيمن ، حيث غلب عليه الشغف الى مناجاة ربه وقد ذاق حلاوتها من ذي قبل ، فهو إليها مشتاق عجول ، فيسأله ربه عما أعجله عن قومه ، ولماذا لم يصاحبهم والمواعدة كانت تشملهم معه ، وهو يجيبه (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) يتبعونني حسب القرار من فورهم (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) حيث المواعدة انما هي لصالح الرسالة ، فليسبق الرسول قومه لتلقّيه ، ولكي يحضّر موسى نفسه قبلهم في ميعاد ربه ، وعلى أيّة حال لم تكن هذه العجلة إلا «لترضى».
وقد تعني «على اثري» فيما عنت ، أثر التربية الرسالية فلا خوف عليهم رجعة عنها ، ثم وهارون اخي هو خليفتي عليهم فحتى إذا تأجلوا فهم تابعون اثري.
أترى ان قومه كلّهم كانوا على ميعاد مع موسى ، وقد سبقهم ان
__________________
(١) مصباح الشريعة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أقول : وقد يعني ترك ما ترك في ذلك الأربعين عدم الاهتمام به دون ترك مطلق حيث لا يطيق الإنسان أيا كان ان يترك حاجيات الحياة البدنية طيلة هذه المدة الطائلة.