بأخيه المختار ليدل المتخلفين من بني إسرائيل على مدى تخلفهم في فتنتهم (فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) وليرقبوا على أنفسهم أشد من ذلك وأنكى ، حين يفعل الداعية بخليفته البريء عما فعلوا وهو اخوه ، يفعل هكذا ، فما ذا ـ إذا ـ يفعل بهم بما افتعلوا ، تعبيدا لجوّ التأنيب الشديد ، والأمر الإمر أن «اقتلوا أنفسكم».
وهذه سنة سنية في النهي عن شديد العصيان والتحذير عما يخلفه ، فهو من باب : إياك اعني واسمعي يا جاره ، وكما يخاطب الله نبيه أحيانا بخطابات تنديدية وهو يقصد الامة المتخلفة.
فليعلم عبدة العجل حينذاك انه ليس بتاركهم وقد فعل بأخيه البريء ما فعل لماذا لم يفارقهم اليه.
وهكذا يوجّه قوله له كما يوجّه فعله وجاه هؤلاء المتخلّفين وليعلموا ان شرعة العدل لا تعرف نسبة ولا قرابة ولا خلافة في ظرف التخلف عنها ، فضلا عن امة متخلفة هكذا ، وليعرفوا مدى عصيانهم لرسولهم ألّا مسامحة فيه ولا سماح عنه.
ثم وكيف يعذر هارون عما قصّر إن قصّر خشية التفرقة بين بني إسرائيل ، وليست الوحدة مرغوبة إلا في ظلال التوحيد ، فحتى ان قتل دون منعهم عما افتعلوا لكان حقا رساليا بمسؤولياتها الدعائية الاصيلة ، وما الدعوات الرسالية إلا مفرقة بين الناس من متقبل لها او معارض ، ثم موحّدة بين المؤمنين بها ، فكيف يعذر هارون ان قصّر بقوله (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)؟.
انه وعظهم وندّد بهم حتى كادوا ان يقتلوه ، فلم يقصّر ـ إذا ـ في الدعوة ، ثم قتل الداعية انما يسمح فيه في شرعة الرسالة إن اثر في قبول الدعوة ام مزيد الحجة ، ولكن بني إسرائيل المعروفين بقتل النبيين لم يكونوا ليتأثروا بقتل هارون إلا حظوة لهم في البربرية إزالة لمن يصدهم ، وتقليلا