فلقد حدّث السامري بقولته ما حدث ، وتقلّص فيه وما تخلّص ، واعترف في ذلك الموقف الحاسم القاصم ان ذلك من تسويل النفس ، ونرى موسى كيف يطرده من الجماعة طول حياته ويحرق الهة أمام من ضل به وينسفه في اليم نسفا ، إحراقا لهذه الضلالة عن بكرتها ونسفا لها.
(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) ٩٧
(قالَ فَاذْهَبْ) من هذا الجمع المستضعف ، فليس لك هنا مكان ولا مكانة ، تغرّب عنهم طريدا شريدا مدحورا فريدا (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) ما هو أصعب واتعب من الممات (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) ليس انك لا تمس أحدا ولا يمسك احد في غربتك ، بل وتتعذب بأي مساس كان رحمة لك عيشة بين الجماهير ، تتعذب لحد ليس لك في الحياة إلا ان تقول «لا مساس»! فقد أصبح قصاصه «لا مساس» وهو شر قصاص! فالغربة المطلقة في الحياة عذاب ، وعذاب القربة فيها عذاب فوق العذاب ، حيث بدلت له الرحمة زحمة وكما بدّل نعمة الله كفرا وأحل قومه دار البوار جهنم يصلاها وبئس القرار.
ولان «مساس» مصدر من المفاعلة كما الضراب من المضاربة ، فهو مس من الجانبين أيا كان المسّ ، سمعيا او بصريا او بدنيا ، ام اية معاطاة أخذا وعطاء روحيا او ماديا ، فقد أصبح المساس الذي به الحياة الزاهرة بين الجماهير ، شرا من الممات وكأنه من دوافعه ، إبعادا له عن حظوظه ، وابتعادا لهم عن شذوذه ، فأصبح ـ بالفعل ـ لا هو ميت ولا هو حي ، مجموعا له شر الحياة وشر الممات اضافة الى العذاب الذي هو آت.
ويا بؤساه لمن إذا سألته عن حاله يقول «لا مساس» وإذا قلت له ام