و «ذكر من بهم» هو الذكر الذي يربّيهم ، كما (ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ) هو الذي يذكرهم الرحمن ، وليس المحدث وصفا لذكر خاص ، حتى يفهم منه ان هناك ذكر غير محدث هو القرآن ، وقد استمعوه وهم يلعبون اكثر من كل ذكر سبق ، و (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) تختص كل ذكر بالمحدث دونما استثناء.
(إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) نبيا وكتابا (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) يتخذونه لعبة كما يلعبون بسائر اللعب فهم عنه معرضون ، فما استماعهم لذكر ربهم إلا اعراضا ولعبا دون تفهّم ، وانما هو خوض وتقحّم : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٤٣ : ٨٣) إذ ف (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٦ : ٩١).
وإنها صورة بئيسة تعيسة لنفوس فارغة عن الهدى ، مليئة بالهوى ، لا تعرف جدا في حق الحياة فتلهو في اخطر المواقف استهتارا بالقدسيات ، فتغدوا حياتهم عاطلة باطلة ، هينة رخيصة قالحة! :
(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ٣.
استمعوه (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) وهم يلعبون (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) فليس استماع الوحي ينفع والقلب لاه ، حيث البصر والسمع هما من وسائل بصيرة القلب وسماعه.
«و» هؤلاء المناكيد (أَسَرُّوا النَّجْوَى) ف (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل وصفي عنهم ، والنجوى هي الإسرار في القول بحيث لا يتفهمه غير المتناجين فكيف اسروها؟ إنها في إسرارها سر في سر ، سر في مادة النجوى ، وسر في أصلها كيلا يعلمها المتناجى عليهم ، ولكن الله فضحهم فيها بما أذاعها في هذه الاذاعة القرآنية.