وانما اسروها تخوفا من نقصها او نقضها فيفشلوا ، فقد كانت شورى بينهم في ترداد القيلات ، لتصبح طبخة ناضجة ناتجة عنها فيبرزوها وقد برزت قبل إبرازها :
«هل هذا» الذي نراه ونعيشه ردحا من العمر «إلا بشر» دون ميزة عن سائر البشر بل هو «مثلكم» في البشرية فلما ذا يتفضل عليكم ، أتفضلونه على أنفسكم دون مرجح (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) سحره؟ دعاية خاوية وحجة داحضة ، فلو كانوا يبصرون لكانوا مؤمنين ، حيث الآيات الالهية مبصرة بصرا وبصيرة : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٢٧ : ١٤).
(قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ٤.
«قال» الرسول جوابا عن نجواهم سرا «ربي» الذي رباني هكذا فلا أساوى او أسامى بمن سواي على أية حال (يَعْلَمُ الْقَوْلَ) أيا كان وكيفما كان (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ـ (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٢٠ : ٧) «وهو» لا سواه «السميع» كل قول «العليم» كل حال. فالأقوال كلها والأحوال كلها حاضرة لديه ، وهو يعلم ألّا قول كقوله في القرآن دليلا حاضرا ـ في كل عصر ومصر ما طلعت الشمس وغربت ـ على انه قول الله لا سواه ، فهل بالإمكان لبشر ساحر ، ام وملك ماهر باهر ان يأتي بفعل الله دون اذن ورسالة من الله ، إذا فهو إله من دون الله فكيف ينسب فعله الى الله؟!.
إذا ف (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ ..) في هذا الوجه كقوله في الفرقان : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢٥ : ٦) توجيها لهم الى الأسرار التي يحملها الذكر الحكيم ولا يعلمها الا الله ، إذا فهو دون ريب