وترى الابتلاء بالشر ابلى او الابتلاء بالخير ، حقا ان الابتلاء بالخير أشد وطأة وإن خيّل للبسطاء عكسه ، فهنا لك كثيرون من المؤمنين يصمدون في فتنة الشر ، واما فتنة الخير فقلة قليلة تصمد لها ، فمن هذا الذي يصمد على قضية الإيمان في جماح القدرة الهائجة والسلطة المائجة إلا السابقون والمقربون ومن ثم اصحاب اليمين؟ حيث الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب ، ولكنما الرخاء ترخي الأعصاب وتفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة.
لذلك ترى هؤلاء الذين يجتازون الكثير من عقبات الشر والضر ، هم أنفسهم ليسوا ليجتازوا عقبات فتن الخير ، فيسقطون في هوّات الرعونات ، ويتساقطون في مجالي الثروات والفرعنات ، وكما نراهم طوال التاريخ ، أعاذنا الله من تلك الفتن العضال.
وكما نرى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) يعجب من هؤلاء المؤمنين القلة قائلا : «عجبا لأمر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (١).
(وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) كما منا تبدءون ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فقد كنا قبل عالم الاختيار في خيرة الله ، إذ كنا أجنّة في بطون أمهاتنا ، ثم حللنا عالم الاختيار ثم التكليف الاختبار ، ومن ثم نرجع الى ما كناد دون خيرة فيه منا اللهم الا ما قدمناه لأنفسنا (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى).
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) ٣٦.
__________________
(١) رواه مسلم بسنده في كتاب الزهد والرقائق.