تفسيرها مع التأمل فيها وما يحتفّ بها دون تحميل عليها ، يهدينا الى معناها ومغزاها.
هنا الموضوع (قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) وهي كل قرية هالكة لذنوبها بعذاب الاستئصال ، على مدار الزمن في تاريخ الرسالات (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ).
ثم (وَحَرامٌ عَلى) هي طابع الحرمان على القرى الهالكة (حَتَّى إِذا ...) و (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) هي مادة الحرمان ، فذلك الحرمان أيا كان هو لزام القرى الهالكة (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) فيزول عنهم حرمانهم هذا ، فلم يكن ـ إذا ـ حرمانهم الى يوم الوعد الحق على طول خط البرزخ ، وانما (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ ... وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) فهم فيه يرجعون.
ولأن الحرمان عرفيا ليس إلا عما يرام ، فليكن رجوع القرى الهالكة قبل الفتح مما يرومونه ، وكما هو الواقع المذكور في آيات عدة (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (٣٢ : ١٢) ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ..) (٢٣ : ١٠٠).
فالرجوع الى حياة التكليف هو أمل المجرمين ، وآية (لا يَرْجِعُونَ) تخيّب ذلك الأمل رجاء العمل (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ ... وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) فإذا هم راجعون لا للإصلاح ، وانما لذوق العذاب يوم الرجعة.
وذلك مضاعفة للعذاب الحساب ، في ثالوث منه ، هلاك في الاولى ، ثم في رجوعهم يوم الرجعة إليها ، ومن ثم في (الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا).