فلأن الحرمان عن عدم الرجوع يوم القيامة لا يخص (قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) فانها يوم الجمع ، وان ذلك الحرمان محدّد ب (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ ...) فليكن رجوعا خاصا قبل يوم الجمع ، وذلك حسب تلميحات آيات وتصريحات روايات محتوم على «من محض الايمان محضا او محض الشرك محضا» (١).
إذا ف (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) هي بيان لمادة الحرمان (حَرامٌ ... أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أم هي بتقدير اللام «لأنهم لا يرجعون».
فقيلة القائل ان «لا» هنا زائدة ، هي نفسها قيلة زائدة بائدة ، اللهم إلا على غرار (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) حيث تعني ما منعك عن السجود ، ولكن الممنوع هناك غير مذكور ، يعرف من (أَلَّا تَسْجُدَ) ما منعك عن السجود الا تسجد ، فلا زائدة هنا وهناك.
ثم (حَتَّى إِذا) تحتّم رجوعهم عند الفتح لأنه غاية محتومة لحكم الحرمان أيا كان ، فان كان حرمانا عن الرجوع الى الدنيا فهو رجوع عند الرجعة واقتراب الوعد الحق ، كما يلوح من الآية ، وان كان حرمانا عن عدم الرجوع فهم يرجعون (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) رجوعا محتوما عند الفتح ، ومحروما عنه قبل الفتح.
وفي الحرمان الثاني تعريض على الناكرين للرجوع يوم الدين ، فإنهم لو صدقوا رجوع (مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فما هم بمصدقي رجوعهم ، والآية هنا تقول «وحرام عدم رجوعهم» يوم الدين ، بل وعدم رجوعهم حتى يوم الفتح ، فهم على أية حال راجعون مرة ليوم الجمع
__________________
(١) البحار ٥٣ : ٣٩ عن أبي عبد الله (عليه السلام) .. وان الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع الا من محض الايمان محضا او محض الشرك محضا».
أقول والقرى الهالكة هي القدر المعلوم ممن محض الشرك محضا فهم يرجعون.