ذلك الوحي ـ فقط ـ للرسول الأقدس محمد (ص) ليلة المعراج ، ام وليلة القدر حيث انزل عليه القرآن المحكم ، دون اي وسيط ، لا ملك الوحي ، ولا كلام ولا نور ولا نار ولا شجرة أمّا هيه من وسائط وحجب ، وانما من الرب الى قلبه القدسي الرسالي القمة : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وهو في مقام «او أدنى» وهو لما تدلّى ، خالعا نعل نفسه وحجاب ذاته بعد سائر الحجب ، فلم يكن حينئذ بينه وبين الله أحد حتى نفسه! (١).
وقد لا يكون سائر الوحي الى سائر رجالات الوحي وحيا أمام ذلك الوحي وكما في الشورى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...) (١٣).
كما وان صاحب ذلك الوحي القمة كأنّه هو الرسول النبي لا سواه ، بما طواه وحواه ، وهو لامح من آيات عدة تخاطبه كأنه هو الرسول لا سواه.
واما متن النداء الأولى لموسى ـ وما أمتنها وأمكنها في قلبه بما طواه وحوى ـ فهو :
(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) اني المكلّم إياك «انا» لا سواي «ربك» بربوبية رحيمية خاصة (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً).
وفي مفاجأة هذه الجيئة ، بهذه المشاهدة المنيعة ، لقد كان القلب يجف والكيان يرتجف ، موسى الفريد في صمت مخيّم ، بليل دامس ، وبرد قارص وهو كارث ، واهل بلا حارس ، فإذا بنداء لم تسبق لها نظير (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ..)!
__________________
(١) راجع الفرقان تفسير سورة النجم حول آيات المعراج.