فانما هي خيرة الله : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢٢ : ٧٥).
فهي إذا رعاية الرحيم الرحمان لهذا الإنسان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟
والإختيار افتعال من الخير ، فقد يختار الإنسان نفسه بما يعتمل من صالحات فيكتمل ، ولكنه لقصوره في ذلك الاختيار لا يصل الى القمة وهي العصمة علمية وعملية وتطبيقية.
ولكنه حين تمتد اليه يد الرحمة الإلهية الخاصة ، بعد ما سعى سعيه وقد اختار له ربه ظروف السعي العليا منذ أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، والى الولادة والنضوجة العقلية ، آنذاك تشمله الخيرة الإلهية الثانية لإفاضة العصمة والتسديد الرباني ، فهو مختار الله في ابعاد ثلاثة ، والزاوية الوسطى بينها هي مساعي العبد باختياره على ضوء ما قدم الله له من قبل ، ونظرة ما يؤخره له من بعد ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وهاتان آيتان بدائيتان من الوحي القدامي أمام وحي الرسالة ، تهيئان لموسى ظرف الاستماع لذلك الوحي بسمع القلب وقلب السمع ، (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) وكان سامعا لما اوحي قبلها ولكن منذ الآن عليه الاستماع بعد سمع ، تحضيرا لمسامع قلبه ولبه وفؤاده ، بعد سمعه.
فحين يتم الإختيار الرباني لرجل رباني يحين حين استماع الوحي بعد سماعه ، وبعد تحمل مشاق في سبل التخيّر ، التي فيها أشلاء ودماء وحرمانات وكل ما هو آت في هذه السبيل المليئة بالأتعاب والأشغاب.
وفي تفريع الاستماع (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) على الاختيار (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) دليل ان الاختيار دليل الاستماع ، فلولا الاختيار لم يك استماع لما يوحى ، فهو اختيار لوحي الرسالة ، بعد ما اختير لعبودية كاملة هي ذريعة للرسالة.