وموسى هنا بطبيعة الحال يستعد للاستماع بكامله وقد يصح ما قيل فيه انه وقف على حجر واستند الى حجر ، ووضع يمينه على شماله ، والقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره ، فأصبح كله أذنا صاغية واعية ، ومن أدب الاستماع حضور المستمع بكل محاضره ومسامعه ، تأهّبا لتعلمه وتفهمه ، ثم تطبيقه ونشره ، وذلك هو الاستماع الكامل الحافل لغايته ، وهو استماع الرسالة ورسالة الاستماع ، وإلا فلا سماع ولا استماع.
فموسى الرسول هنا يستمع كرسول ، دون ما استمعه من قبل بما يتبنى شخصه قبل رسالته نبوءة شخصية : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢٨ : ١٤).
فقد كان اصطناعه مرحليا كسائر الرسل ، شخصيا كما يجب ثم رساليا (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) :
وهنا يختصر الوحي في بدايته الرسالية في بنود ثلاثة مترابطة مع بعض ، التوحيد والعبودية والساعة ، وهي بصيغة اخرى : المبدء والمعاد وما بين المبدء والمعاد ، وهذه هي الأصول الموضوعية الرئيسية للشرعة الإلهية ككل وفي كافة الرسالات.
ولماذا (لِما يُوحى) بعد (أَنَا اخْتَرْتُكَ) دون «ما أوحي»؟ علّه لأنه مما يوحى لكافة الرسل ككل ، لا فقط لموسى ، بل «لما يوحى» على طول خط الرسالات ، إيناسا له بعامة الوحي وهامته :
(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ١٤.
كلمات ثلاث هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى ، ومن ثم الى إحدى عشر آية ، عرض لواجب الرسالة تدريبا لآياتها (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ ..