ولان «القرى» جمع محلّى بلام الاستغراق ، فهي تستغرق القرى المكلفة بهذه الشريعة العالمية في كافة أنحاء العالم بأرضه وسماءه ، (وَمَنْ حَوْلَها) لا تعني الحول القريب ، وإنما الحول من حيث التبعية الشرعية ، وهذا يتبع في حده ما تقرره الشريعة من حدود ، ف «القرى» بجمعيتها الاستغراقية من ناحية ، والحول بكونه حول الأمّ من ناحية أخرى تدلان على هذه السعة العالمية في (مَنْ حَوْلَها).
ومن المعروف والطبيعي أن من حول العاصمة في كل منطقة هم أتباع العاصمة وإن بعدوا عنها ، والأولاد هم حول الأم أيا كانوا ، فلا تعني الحول هنا وهناك المكان القريب من الأم والعاصمة ، وإنما التبعية للأصل مهما كان المكان قريبا أو بعيدا ، والرسالات الإلهية في القرى ليست إلّا في أمها : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) (٢٨ : ٥٩)
فأم القرى هي العاصمة الوحيدة للرسالة الإسلامية العالمية ـ : رسالة إلى الناس كافة: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً.) (٣٤ : ٢٨) (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..) (٧ : ١٥٨) وليس الناس فحسب بل والجنّة أيضا : حيث تذكر مع الإنس أم وحدها في نطاق الرسالات الإلهية في عشرات من الآيات (١) ثم ولا الجنة والناس فحسب بل والعالمين أجمعين :
__________________
ـ من أمهات القرى وذلك قول الله في كتابه : لتنذر ام القرى ومن حولها ، وفيه عن القمي قال قال : أم القرى مكة سميت.
(١). ونماذج من هذه الآيات البينات كالتالية : «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي ..» (٦ : ١٣٠) «وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ..» (٧ : ١٧٩) «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ..» (١٧ : ٨٨) «وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ ـ