(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢٥ : ١) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (٢١ : ١٠٧) (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٨١ : ٢٨) فوحي القرآن ضارب إلى الأعماق في طول العالم وعرضه ، من حضر ومن بلغته دعوته أيا كان وأيان : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦ : ١٩) وأم القرى هي المركز الرئيسي والعاصمة الوحيدة الوطيدة الخالدة لهذه الرسالة والدعوة الاخيرة ، فالجنة والناس أجمعون ، والعالمون أجمعون أيا كانوا وأيّان تشملهم هذه الدعوة العالمية دونما استثناء ، وهم كلهم من «من حولها».
إذا فآية أم القرى ـ وهي الآية الأم في التعريف بسعة هذه الرسالة ـ إنها تعتبر مكة المكرمة المركز الرئيسي للرسالة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث صدرت وانتشرت عنها هذه الدعوة المباركة وعلى طول الزمن ، والقرى هي المجتمعات العالمية والمكلفة في شتى أرجاء الكون ، في هذه المعمورة أم سائر المعمورات في الأنجم ، وهي كلها «من حولها» حيث الحول تعني هنا ما يناسب عمومية القرى المستفادة من مستغرق الجمع فيها ، ولو أن «من حولها» يخص القريب منها دون الجمع ، لكانت القرى هي هذا البعض فقط لا الجمع ، فالمعنى : لتنذر أم بعض القرى! ..
إذا فدعوة الام ورسالتها تشمل القرى كلها وإلا لم تكن من قراها ، والقرى هم العالمون أجمعون حيث الله ربهم أجمعين : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١ : ٣) إذا فالخارجون عن هذه الدعوة ادعاء وتعنتا هم خارجون عن الناس إلى النسناس ، وهم خارجون عن العالمين الأحياء ،
__________________
ـ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ» (٤١ : ٢٥) «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ» (٤٦ : ٢٩) «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ..» (٧٢ : ١.