(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ)(٥).
أعذار ثلاثة زعم أنها تعذرهم عن سماعه (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) إمعانا في العناد وتيئيسا للرسول ليذرهم كما هم فيذروه كما هو :
(قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) ـ (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (٢ : ٨٨). ترى وهم صادقون في أكنة قلوبهم؟ أجل! ولكنها امتناع باختيارهم إذ كفروا وأصروا واستكبروا (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) (٦ : ٢٥).
(وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) ثقل عن الاستماع والسماع ، وإذا اعترض أسماعهم فلا يصل إلى قلوبهم لأنها في أكنتها.
(وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) نحن لا نفهمك وأنت لا تفهمنا لاختلاف المبادئ فيما بيننا وبينك ، وسدّ المداخل إلى قلوبنا ، والأكنة جمع كنان وهو الستر والغطاء كعنان وأعنّة وسنان وأسنّة ، وقولتهم هذه خارجة مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه او يستمعون من قوارع القرآن ، وبوارع البيان ، فكأنهم من قوة الزهادة فيه وشدة الكراهية له ، قد وقرت أسماعهم عن سمعه وأكنّت قلوبهم دون علمه ، وقد أكنها الله وأوقرها جزاء الاكتنان والتوقر.
إن الأسماع هي مداخل القلوب تعي ما سمعت وتسمع ما وعت ، فإذا كانت القلوب في أكنّة ، لا تدخلها الذكرى وإن كانت الآذان تسمع ولكن (فِي آذانِنا وَقْرٌ) إذا ـ فقلوبنا بعد في بعدي الكنان ، ثم (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) يعم كنان القلوب ووقر الآذان إلى عمى الأبصار وتعطل الحواس أمّاذا من مداخل الأعضاء إلى القلوب ، وقد تعني «من» أن الحجاب مبتدء منا ومبتدء منك ، فهو إذا حجابان ذاتيان ، لا حجاب واحد