في هذا البين ، منفصلا عنا ، فاصلا بيننا ، فالمسافة المفاصلة بيننا وبينك مستوعبة بحجاب ، دون إبقاء على جزء هو خلو من حجاب.
إذا ففي ثالوث المفاصلات بيننا وبينك لا تفيدك الدعوة ولا إيانا «فاعمل» كما تشاء ما تشاء تجاهنا في شأنك (إِنَّنا عامِلُونَ) تجاهك ما نشاء كما نشاء وفي شؤوننا ، أذان منا إليك لحرب شعواء عشواء ، وبلاء لأواء (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ)!
«فاعمل» في حجابك عنا (إِنَّنا عامِلُونَ) في حجابنا عنك ، فكل يعمل على شاكلته ، ثم «فاعمل» في إبطال أمرنا (إِنَّا عامِلُونَ) في إبطال أمرك ، «فاعمل» كما تستطيع في دعوتك سلبا وإيجابا (إِنَّنا عامِلُونَ) كما نستطيع ، فقد وقعت المفاصلة التامة ثم لا يرجى تأثير أية دعوة.
أتراهم صادقين فلا يمكنهم الاهتداء بما كفروا وختم الله؟ لقد صدق البعض وهم الذين (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ..) وكذب الآخرون ، فنجى الكاذبون (١) وهلك الصادقون!.
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٣٦ ـ اخرج ابو سهل السري ابن سهل الجنديسابوري في حديثه من طريق عبد القدوس عن نافع بن الأزرق عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب في قوله (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ ..) قال : أقبلت قريش الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهم ما يمنعكم من الإسلام فتسودوا العرب فقالوا يا محمد ما نفقه ما تقول ولا نسمعه وان على قلوبنا لغلفا وأخذ ابو جهل ثوبا فمد فيما بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد! (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ ..) فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدعوكم الى خصلتين ان تشهدوا ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واني رسول الله فلما سمعوا شهادة ان لا اله الا الله ولّوا على ادبارهم نفورا وقالوا اجعل الآلهة إلها واحدا ان هذا لشيء عجاب وقال بعضهم لبعض امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ان هذا الا اختلاق أأنزل ـ