وهذا نموذج مما كان يواجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته على طول الخط ، ولكنه ليس ليكفّ عن الدعوة او ييأس من تيئيسهم ، وليس ليجيب عن قولتهم الهباء الخواء إلّا بيانا لكيانه بالوحي :
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)(٦).
آية لا ثانية لها في سائر القرآن إلّا التي في الكهف إلّا في ذيلها (.. فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) (١).
إنني لا أحمل من بشريتكم إلّا ظاهر القالب ، وأما باطن القلب فإنه (يُوحى إِلَيَّ) دون قلوبكم المقلوبة الخاوية ، غير المهدية بهدى الوحي ، فأنا وحي في الفطرة والعقل والصدر والقلب والفؤاد واللب أماذا من جنبات الروح ، وأنا اكمّل بالوحي ما قصرتم او قصّرتم!
(أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أماثلكم في القلب ومداخله ومخارجه ، ولا أفاصلكم
__________________
ـ عليه الذكر من بيننا ، وهبط جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول أليس يزعم هؤلاء ان على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقر فليس يسمعون قولك ، كيف وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا لو كان كما زعموا لم ينفروا ولكنهم كاذبون يسمعون ولا ينتفعون بذلك كراهية له ، فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلا الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا محمد! اعرض علينا الإسلام فلما عرض عليهم الإسلام اسلموا عن آخرهم فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الحمد لله ألستم بالأمس تزعمون ان على قلوبكم غلفا وقلوبكم في اكنة مما ندعوكم اليه وفي آذانكم وقرا وأصبحتم اليوم مسلمين ، فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذبنا والله بالأمس لو كان كذلك ما اهتدينا ابدا ولكن الله الصادق والعباد الكاذبون عليه وهو الغني ونحن الفقراء اليه.
(١) راجع تفسير الآية الى الكهف تجد تفصيلها فيها فلا نعيدها هنا.