إلى سواهم! فإنما هي للعالمين ، إذا ف «كم» هم أم القرى ومن حولها دون اختصاص بالحاضرين ، وإنما الخطاب صادر من مصدر رب العالمين ، فوارد ـ كقضية حقيقية ـ مورد العالمين أجمعين ، ضاربا إلى اعماق الزمان والمكان أيا كان منذ بزوغه إلى يوم الدين.
ثم ولماذا «شرع» المفرد الغائب ـ لله ـ و «لكم» الحاضر للعالمين؟ علّه لان وحي الشرع غائب عن العالمين ، وأما العالمون فعليهم الحضور علميا وعقائديا وأخلاقيا وتطبيقيا للوحي الشرع ، فهو غائب الصدور وحاضر الورود ، ثم ولأن في خطابهم دون الآخرين تشريفا للأمة المحمدية على الأمم بما أن شرعتهم برسولهم أشرف من سواها وسواه.
وإذ توحي غيبة الفعل «شرع» بغياب الوحي ، فهل توحي (وَصَّى بِهِ نُوحاً) أن وحي الشرعة إلى نوح كان وحيا غائبا عنه؟ فكيف إذا هو نبي!.
إن الغيبة هنا غير الغيبة هناك ، ففي (شَرَعَ لَكُمْ) غيبة الوحي حقيقة إذ لم يوح القرآن إلى العالمين دونما وسيط ، وأما في (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) فوحي حاضر إلى قلب نوح (عليه السلام) ولكنه لبساطته أمام سائر الوحي إلى الاربعة الآخرين ، وعلوّه لهم دونه ، كأنه من غائب الوحي ، كما وأن سائر الوحي وجاه الوحي إلى محمد كأنه ليس وحيا ، وإنما هو وصية حال أن الكل وحي حيث الكل أنبياء عظام عليهم دارت الرحى.
هنا نستوحي من مثلث التعبير : «ما وصى ـ والذي أوحينا إليك ـ وما وصينا» درجات ثلاث لوحي الشرعة إلى اولى العزم الخمسة ، فأوسطها أعلاها وأولاها أدناها (١) وآخرها أوسطها.
__________________
(١) تمتاز صيغة التعبير عن الوحي الى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على نوح بميزات ـ