أولئك اختلفوا على علم ويقين بغيا بينهم ، ثم الذين ورثوا الكتاب اختلفوا على شك مريب ، ولا يصدق هذا الفرق بين الأولين والوارثين إلّا في كتابات الوحي قبل القرآن ، حيث حرفها الأولون على علم ، فتفرق فيها الوارثون على شك مريب ، وهو المسنود إلى ما يعتبر كحجة (١).
فالتفرق الحاصل عن شك مريب أهون ضلالا من التفرق عن شك غير مريب أو عن علم ، وإن اشتركت في ضلال ، ولكن اين ضلال من ضلال! ثم التفرق الحاصل قصورا دون تقصير لا عن علم ولا شك كما يحصل عند المجتهدين إذا كان عن اجتهاد صحيح يتبنى الكتاب أصلا والسنة فرعا ، هذا التفرق ليس محظورا ولا يفرّق حيث الكل يستنبطون أحكام الله من كتاب الله وسنة رسول الله ، (صلى الله عليه وآله وسلم) للمصيب أجران وللمخطئ اجر واحد ، فلا عليهم ولا لهم أن يتباغضوا ، وانما عليهم التشاور لكي ينقصوا من الخلافات ثم يرجع من سواهم إلى الأكثر بعد التشاور ، كمرجعية واحدة هي الأكثرية بين المتشاورين.
وآية التفرق إنما تندّد بالتفرق بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ، ثم الذين ورثوهم فهم في شك مريب ، وأما العلماء الربانيون المسلمون فهم لا يجتهدون على شك مريب ولا تخلفا عن علم بغيا بينهم ، وإن كان بين من يجتهد مقصّرون حيث لا يستندون كما يجب إلى كتاب الله ، وفيما تعودوا على ترك الكتاب اعتمادا على الأقوال والروايات فأصبحوا قاصرين في الرجوع الى كتاب الله فهم أيضا مقصرون في قصورهم تشملهم على أقل
__________________
(١). الشك المريب ما يجعل الإنسان في ريب بما فيه من مشكك في ظاهر الحجة كآيات توراتية او انجيلية دخيلة او محرفة يحسبها وارث الكتاب من الوحي ، والشك غير المريب ما لا يستند الى حجة مشككة ، كشك المتجادل العارف بالحق مثل الأولين.